تواجد الجنود الأوغنديين داخل جنوب السودان يعقد الموقف الدبلوماسي، ودعم ارتريا والسودان للمتمردين قد يشعل حرب بالوكالة مع اثيوبيا.
جوبا – يبعد الاقتتال المستمر أي احتمال لوقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والمتمردين في جنوب السودان، حيث يتخوف المحللون من أن يشعل هذا النزاع المنطقة ليعيد الأعداء القدامى تاريخ حروبهم.
وتشهد المنطقة توترات بين عدوة جنوب السودان التاريخية وجارتها الشمالية السودان من جهة، وحليفتها الجديدة أوغندا من جهة ثانية. ويأتي ذلك في وقت تتخوف أثيوبيا، الوسيطة الأولى في نزاع جنوب السودان، من ادعاءات بأن أريتريا توصل السلاح من حليفتها الخرطوم إلى متمردي جنوب السودان.
وقال دبلوماسي غربي من دون الكشف عن اسمه، إن أسوأ سيناريو يناقش اليوم هو أن “تقاتل أوغندا السودان في دولة جنوب السودان الجديدة، وأن تقاتل أثيوبيا أريتريا، وذلك في غياب كامل للقانون والنظام”.
بدوره، اعتبر المحلل كاسي كوبلاند من منظمة مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، أنه في حال اتساع النزاع، يبقى السؤال “متى وليس إذا كان سيتحول إلى نزاع إقليمي”.
وما بدأ كنزاع بين رئيس جنوب السودان سيلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، في كانون الأول/ ديسمبر قسم وبشكل سريع الجيش النظامي، كما أسهم في صعود المشاعر الاثنية في دولة ولدت منذ أقل من ثلاث سنوات، وبعد حرب طويلة مع الخرطوم لأكثر من خمسة عقود.
أما التوتر بين الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ونظيره السوداني عمر البشير، فيعود إلى دعم أوغندا لميليشيا جنوبية كانت تقاتل القوات السودانية في آخر مراحل الحرب الأهلية التي انتهت في 2005 باتفاق سلام، ولحقه بعد ست سنوات استقلال جنوب السودان.
ولطالما اتهمت أوغندا السودان بتمويل المجموعات المتمردة على أراضيها.
وفي وقت تدعم القوات الأوغندية وبشكل علني نظام كير، ويعيد المتمردون سيطرتهم على أراض قرب حقول النفط التي يصدر انتاجها عبر أنابيب تمر في السودان، فإن الخرطوم قد تتخذ قرارا بشن هجوم.
وأوضح الدبلوماسي الغربي “نحن قلقون من توسع النزاع إقليميا، فإن الأوغنديين والسودانيين يكرهون بعضهم”.
وبحسب تقارير، فإن المتمردين السودانيين في دارفور، والذين يحاربون الخرطوم منذ عقود، يشاركون في القتال إلى جانب النظام الجنوب سوداني في إقليم الوحدة النفطي. وليس هم فقط، وإنما أيضاً بعض الميليشيات الإثنية من مناطق متفرقة من جنوب دولة السودان يشاركون في القتال، الأمر الذي يسهم أكثر في توتير العلاقات بين الدولتين.
وجراء ذلك كله، هناك تخوف حقيقي من أن السودان قد يلجأ إلى تكتيكاته القديمة في تمويل مجموعات لتحارب عنه بالوكالة أو إلى تسليح المعارضة، فيما لا تعير أوغندا أي انتباه لدعوات الانسحاب من القتال. أما انتاج النفط فيبقى مهددا.
وقد شهد العام 2012 توترا جراء الخلاف على رسوم مرور نفط جنوب السودان في الأنابيب الشمالية، الأمر الذي أسفر عن توقف الإنتاج حوالي 18 شهرا.
وبعد توتر ساهم في تراجع اقتصاد الدولتين، وقع كير والبشير اتفاقا حول النفط والأمن، تخلله وعودا بأن يتوقف كل طرف عن تمويل أعداء الطرف الآخر.
وبالنتيجة، فإن النزاع الحالي يهدد الاتفاق المذكور فضلا عن عائدات جنوب السودان النفطية، خصوصا أن البعض يحاجج بأن تدخل أوغندا لصالح نظام كير ليس سوى ورقة مساومة نفطية.
واعترف وزير دفاع جنوب السودان مؤخرا بأن جنود القوات الأوغندية في بلاده يقبضون رواتبهم، في تناقض مع تصريحات زملائه الذين يصرون على عدم وجود أي قوات أجنبية في البلاد.
ولم تهدأ التكهنات حول ما قدم جنوب السودان لأوغندا من اجل الحصول على مساعدتها. وفي هذا الصدد، قال الدبلوماسي “سمعت أنهم قدموا واحدا من مواقعهم النفطية، أو نسبة كبيرة من النفط يوميا”.
وقد أسهم قرار جنوب السودان في بناء خط أنابيب آخر عبر كينيا أو جيبوتي في استفزاز الخرطوم من جهة، وفي زيادة أمل أوغندا بإيصالها بأنبوب نفط في شرقي أفريقيا من جهة ثانية، فضلا عن قدرتها على بناء منشأة للتكرير خاصة بها.
ولكن في الوقت الحالي تواجه دولة جنوب السودان، الغنية نفطيا، حربا أسهمت في نزوح حوالي مليون شخص، في حين يتساءل الكثيرون إن كانت الدولة الوليدة ستحافظ على وجودها أصلا.
وقال محلل، رفض الكشف عن اسمه، إن “خبراء المالية في العالم يتوقعون أن تفلس الحكومة خلال شهرين أو ثلاثة”.
وقد لعبت الصين، أحد المستثمرين الكبار في قطاع جنوب السودان النفطي، دورا في دعم حكومة كير ماليا عبر مشاريع تطويرية وقروض، وهي تزيد اليوم من تدخلها في الشؤون السياسية الداخلية.
وبالرغم من ذلك، يبدو من الصعب أن تؤثر الصين على التوترات الإقليمية، حيث تزيد التخوفات من تكرار التاريخ لنفسه في ما يتعلق بتوترات التسليح والنفط والحدود.
وفي هذا الصدد، قال جون بيرنديغاست في تقرير لمشروع “كفى” لوقف المجازر، إن “السيناريو الكابوسي يتكشف في المنطقة”.
ودعا إلى إجراء تحقيق في ما إذا كانت أريتريا توصل السلاح من السودان إلى متمردي الدولة الجنوبية، وإلى فرض عقوبات إضافية على أسمرة تضاف إلى تلك المفروضة عليها لدعمها المجموعات المسلحة في الصومال.
ويشك بيرنديغاست في أن تدخل محادثات السلام في أديس ابابا مرحلة جدية إذا لم ينتهي “التواجد العلني” للقوات الأوغندية في جنوب السودان.
ولكن، وحتى لو غابت جميع العوامل الخارجية، من الممكن أن تستمر حرب جنوب السودان لسنوات عدة، وذلك بسبب انتشار الفساد من جهة وعزم قياديي الميليشيات السابقين على القتال من جهة ثانية.